=ولد الموسوي;11522]قضية »البدون« في نظري من أغرب القضايا التي شهدتها الكويت على مدى تاريخها الطويل وهي من القضايا التي يحار المرء في تفسيرها أو فهم مداخلها وحيثياتها فهي تجمع كل الاضداد في آن واحد وتجتمع فيها الاراء المتطرفة بالمتسامحة, ووجهة نظرالمختلفين فيها تكاد تكون أكثر غرابة من القضية نفسها فرأي المعارضين لحقوق هذه الفئة يتناقض مع المؤيدين لها بدرجة تدعو إلى الضحك أحياناً والبكاء في أحيان أخرى, وتكاد تشعر بأن الطرفين يعيشان في بلدين مختلفين ويتحدثان عن فئتين مختلفتين من البدون لايشبه احدهما الاخر, فالاولى تراهم فئة متسللة جاءت من كوكب آخر في غفلة من الزمن ولها أشكال ولغات وطباع تختلف عن أهل البلد وتمثل خطرا محدقا يهدد كيان الكويت ومصيرها واستقرارها وبالتالي يطالبون بالخلاص من الغالبية العظمى منها وبأي شكل ووسيلة, كما يفضلون أن تذهب تبرعات البلد وأموالها إلى أقصى أصقاع الارض ولبلدان تركب الافيال على أن تصرف لحل قضية البدون أو حل مشكلاتهم الانسانية العالقة. وفي الطرف الاخر هناك من يراها كفئة ثانية مختلفة تماماً, فئة مظلومة خدمت الكويت بكل ماتستطيع وقدمت التضحيات وتمتلك جميع مقومات المواطنة التي يمتلكها المواطنون والتي لايريد أن يعترف بها أحد, وهذا التيار ينقسم أيضاً إلى أقسام عدة فالبعض منهم يتبنى هذه القضية لوجه الله تعالى وإحقاقاً للحق والبعض الاخر يعمل لتحقيق مكاسب وأهداف شخصية, وفي حال إنتهاء هذه المصالح ينتقل إلى منطقة أخرى شبيهة بمنطقة الاعراف التي يقف عليها المحايدون الذين لاهم إلى هؤلاء ولا هم إلى هؤلاء مع أحتمالية كبيرة للعودة لمنطقة المؤيدين إذا لاحت في الافق بوادر مكاسب جديدة من القضية.
وبرغم هذا التناقض الصارخ في الاراء والافكار وبرغم الاختلاف الذي لايبدو أن له حل في الامد القريب حول موضوع التجنيس وحق المواطنة للبدون إلا أن جميع الاطراف يتفقون على ضرورة حل هذه القضية فوراً مع الاختلاف طبعاً على طريقة الحل, ويتفقون أيضاً وبالاجماع على ضرورة حل المسائل الانسانية من منطلق إنساني ووطني من وجهة نظر المؤيدين ومن منطلق وطني من وجهة نظرالمعارضين إذ أنهم يرون في التضييق على البدون تشويه للديمقراطية وحقوق الانسان في البلد ليس إلا.
ونستطيع القول بأن الكويت بجميع أطيافها مجمعة على ضرورة حل قضية البدون التي طالت وتشعبت وتعقدت أكثر من اللازم وهي مرشحة لمزيد من التعقيد والتعقيد والتعقيد إذا بقي الوضع على ماهو عليه من الصمت الرهيب والجمود التام. ولكن المفارقة الاغرب في هذه القضية هي أنها وبرغم هذا الاجماع الكويتي التام بضرورة حلها وبرغم سعي الحكومة والنواب وكل من له علاقة بهذه القضية وبرغم تصريحاتهم اليومية الداعية لضرورة حل هذه القضية فوراً إلا أنها لاتريد أن تحل! والسؤال إذا كانت الكويت مجمعة على ضرورة حل هذه القضية, فمن يقف في طريق حلها? ولماذا لاينفذ أي سيناريو من السناريوهات المطروحة للحل وهي على حد علمي كثيرة ومتنوعة?
إن ما تقوم به الحكومة الان من صرف بعض التسهيلات التي يقول عنها البدون إنها كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماءً, ماهي إلا حلول ترقيعية تستهدف فئات معينة من البدون دون غيرها مثلها مثل قانون تجنيس الالفين الذي هو أشبه مايكون بالقربة الصغيرة التي يراد منها أن تروي الالاف من العطاشى المصطفين للارتواء فلاهي روتهم ولاهي تركتهم يبحثون عن وسيلة أخرى للارتواء, وهاهم الان ينتظرون ويمنون النفس بنزول أسمائهم في الكشوف التي لاتظهر إلا كهلال العيد مرة واحدة في السنة .. ينتظرون وينتظرون علهم يرون الجنسية أو يرون من يراها.
إن حل قضية البدون الفعلي لن يكون إلا بحل جذري واضح وصريح ومعلن وفق آلية واضحة ووفق جدول زمني محدد يتم من خلاله إعطاء من لهم الحق بالمواطنه حقوقهم بصورة فورية لانه حق يعاد لاصحابه وليس منحة أو مكرمة كما يريد البعض تصويره, ثم وبالتزامن يتم تسهيل الامور والضرورات الانسانية للفئات الاخرى وتخييرهم بين الاقامة في البلاد أوإنتظار التجنيس وفقا لنقاط محددة واضحة للجميع ليس فيها مجال للمحسوبية أو الواسطة ووفقاً لما هو معمول به في كل بلدان العالم أو المغادرة لبلدان أخرى يرغبون بالذهاب إليها وتسهيل ذلك لهم, أما من يثبت أنه متسلل وليس من فئة البدون فيعامل أيضاً معاملة إنسانية ويتم إمهاله لفترة محددة لوضع إقامة قانونية بعد مواجهته بالادلة الواضحة على عدم أحقيته بالانتماء لفئة البدون ثم يتم بعد ذلك إبعاده وفقاً لما هو معمول به دولياً أيضاً مع مساعدته بالحصول على لجوء لاي دولة تقبل بمساعدة هذه الحالات الانسانية وهي للاسف بأغلبها دول ليست عربية ولاإسلامية.
إذاً الحلول لقضية البدون كثيرة ومتنوعة وهناك تجارب مماثلة لدول أخرى مثل المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الامارات يمكن الاستفادة منها والتعديل عليها بما يتلاءم مع خصوصية قضية البدون في الكويت وهي تجارب أثبتت نجاحها على أرض الواقع وتصلح لان تكون بداية لحل قضية البدون التي إتفق الجميع على ضرورة حلها, أما أن يبقى الوضع على ماهو عليه من الصمت والجمود والحلول الترقيعية فلا أظنه سيوصلنا لضوء في آخرنفق هذه القضية الظلم.[/QUOTE]